فصل: فَصْلٌ: (إلزامُ الْإِمَامِ مُرَاسَلَةَ الْبُغَاةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [إلزامُ الْإِمَامِ مُرَاسَلَةَ الْبُغَاةِ]:

(وَيَلْزَمُهُ)؛ أَيْ: الْإِمَامَ (مُرَاسَلَةُ بُغَاةٍ)؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ إلَى الصُّلْحِ وَرُجُوعِهِمْ إلَى الْحَقِّ وَسُؤَالُهُمْ عَمَّا يَنْقِمُونَهُ مِنْ أَمْرِهِ (وَإِزَالَةُ شُبَهِهِمْ وَ) إزَالَةُ (مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ مَظْلَمَةٌ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إلَى رُجُوعِهِمْ إلَى الْحَقِّ الْمَأْمُورِ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} فَإِنْ نَقَمُوا مِمَّا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مِنْ الْمَظَالِمِ وَنَحْوِهَا أَزَالَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحِلُّ فِعْلُهُ، لَكِنْ تَلَبَّسَ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ فِيهِ بِاعْتِقَادِهِ مُخَالِفًا لِلْحَقِّ بَيَّنَ لَهُمْ دَلِيلَهُ، وَأَظْهَرَ لَهُمْ وَجْهَهُ؛ فَإِنَّ عَلِيًّا بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ إلَى الْخَوَارِجِ، لَمَّا تَظَاهَرُوا بِالْعِبَادَةِ وَالْخُشُوعِ وَحَمْلِ الْمَصَاحِفِ فِي أَعْنَاقِهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ الشُّبْهَةَ الَّتِي تَمَسَّكُوا بِهَا، فَرَجَعَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا وَبَقِيَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَقُتِلُوا؛ وَهِيَ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ (فَإِنْ فَاءُوا)؛ أَيْ: رَجَعُوا عَنْ الْبَغْيِ وَطَلَبِ الْقِتَالِ؛ تَرَكَهُمْ، (وَإِلَّا) يَفِيئُوا (لَزِمَ) إمَامًا (قَادِرًا قِتَالُهُمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ}.
(وَ) يَجِبُ (عَلَى رَعِيَّتِهِ مَعُونَتُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وَحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَرِبْقَةُ الْإِسْلَامِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا اسْتِعَادَةٌ لِمَا يَلْزَمُ الْعُنُقَ مِنْ حُدُودِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ (فَإِنْ اسْتَنْظَرُوهُ)؛ أَيْ: قَالُوا: أَنْظِرْنَا مُدَّةً حَتَّى نَرَى أَمْرَنَا (وَرَجَا فَيْئَتَهُمْ؛) فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ (أَنْظَرَهُمْ) (وُجُوبًا)، حِفْظًا لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ خَافَ مَكِيدَةً) كَمَدَدٍ يَأْتِيهِمْ أَوْ تَحَيُّزِهِمْ إلَى فِئَةٍ تَمْنَعُهُمْ؛ وَيَكْثُرُ بِهَا جَمْعُهُمْ وَنَحْوِهِ (فَلَا يَجُوزُ إنْظَارُهُمْ)؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى قَهْرِ أَهْلِ الْحَقِّ (وَلَوْ أَعْطَوْهُ مَالًا أَوْ رَهْنًا) عَلَى تَأْخِيرِ الْقِتَالِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ يُخَلَّى سَبِيلُهُ إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ كَالْأَسَارَى وَإِنْ سَأَلُوهُ الْإِنْظَارَ أَبَدًا وَيَدَعُهُمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ، وَيَكُفُّوا عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، فَإِنْ قَوِيَ عَلَيْهِمْ؛ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُمْ، وَإِلَّا جَازَ. (وَيَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ) الْمُقَاتِلِ وَغَيْرِهِ وَالْمَالِ (كَمَنْجَنِيقٍ وَنَارٍ)؛ لِأَنَّ إتْلَافَ أَمْوَالِهِمْ وَغَيْرِ الْمُقَاتِلِ لَا يَجُوزُ، إلَّا لِضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ، (وَ) يَحْرُمُ (اسْتِعَانَةٌ) عَلَيْهِمْ (بِكَافِرٍ)؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَى دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَعَجْزِ أَهْلِ الْحَقِّ عَنْهُمْ (وَكَفِعْلِهِمْ) بِنَا (إنْ لَمْ نَفْعَلْهُ) بِهِمْ؛ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ إذَا فَعَلُوهُ بِنَا لَوْ لَمْ نَفْعَلْهُ؛ وَكَذَا الِاسْتِعَانَةُ بِكَافِرٍ.
(وَ) يَحْرُمُ (أَخْذُ مَا لَهُمْ)؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ، (وَ) يَحْرُمُ أَخْذُ وَقَتْلُ (ذُرِّيَّتِهِمْ) لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ لَا قِتَالَ مِنْهُمْ وَلَا بَغْيَ؛ وَيَحْرُمُ (قَتْلُ مُدَبَّرِهِمْ وَ) وَقَتْلُ (جَرِيحِهِمْ) وَلَوْ مِنْ نَحْوِ خَوَارِجَ إنْ لَمْ نَقُلْ بِكُفْرِهِمْ، وَمَا فِي الْإِقْنَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِكُفْرِهِمْ كَمَا فِي الْكَافِي لِعِصْمَتِهِ وَزَوَالِ قِتَالِهِ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلْنَ مُدَبَّرٌ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ؛ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ وَعَنْ عَمَّارٍ نَحْوُهُ وَكَالصَّائِلِ، وَلِأَنَّهُ قَتْلُ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ قَالَ: فِي الْمُسْتَوْعِبِ: الْمُدَبَّرُ مَنْ انْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُ لَا الْمُنْحَرِفُ إلَى مَوْضِعٍ.
(وَ) يَحْرُمُ قَتْلُ (تَارِكِ الْقِتَالِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا قَوَدَ فِيهِ) أَيْ: فِي قَتْلِ مَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ مِنْهُمْ؛ لِلشُّبْهَةِ (وَيُضْمَنُ) بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ (وَقَتِيلُنَا شَهِيدٌ) كَالْمَصُولِ عَلَيْهِ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا بَعْدَ نَزْعِ لَأْمَةِ حَرْبٍ وَنَحْوِ خُفٍّ وَفَرْوٍ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ فِي قِتَالٍ أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَكَشَهِيدٍ فِي مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ (وَقَتِيلُهُمْ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِالْبَغْيِ عَنْ الْإِسْلَامِ (وَقِيلَ) إنَّ قَتِيلَهُمْ (لَا) يُغَسَّلُ وَلَا يُكَفَّنُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا بُغَاةً (لِقَضِيَّةِ) وَقْعَةِ (أَهْلِ صِفِّينَ) فَإِنَّ مَنْ قُتِلَ فِيهَا عُومِلَ مُعَامَلَةَ شُهَدَاءِ الْمَعْرَكَةِ مَعَ أَنَّهُ مُقَرَّرٌ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِعَمَّارٍ تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ». (وَيَتَّجِهُ صِحَّتُهُ)؛ أَيْ: صِحَّةُ الْقَوْلِ بِمُعَامَلَتِهِمْ مُعَامَلَةَ الشُّهَدَاءِ (مَعَ) حُصُولِ (مَشَقَّةٍ) بِدُونِهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَشَقَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّغْسِيلِ وَالصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
تَنْبِيهٌ:
إذَا لَمْ تَكُنْ الْبُغَاةُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَيْسُوا بِفَاسِقِينَ، بَلْ مُخْطِئِينَ فِي تَأْوِيلِهِمْ؛ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ. (وَيُكْرَهُ) لِعَدْلٍ (قَصْدُ رَحِمِهِ الْبَاغِي) كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ (بِقَتْلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «كَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُقْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ». (وَتُبَاحُ اسْتِعَانَةٌ عَلَيْهِمْ)؛ أَيْ: الْبُغَاةِ (بِسِلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَخَيْلِهِمْ) وَعَبِيدِهِمْ (وَصِبْيَانِهِمْ لِضَرُورَةٍ فَقَطْ) لِعِصْمَةِ الْإِسْلَامِ أَمْوَالَهُمْ وَذُرِّيَّتَهُمْ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُهُمْ لِرَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ، وَأَمَّا جَوَازُهُ مَعَ الضَّرُورَةِ فَكَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ فِي الْمُخْصَمَةِ. (وَمَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ)؛ أَيْ: الْبُغَاةِ (وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ أُنْثَى حُبِسَ حَتَّى لَا شَوْكَةَ وَلَا حَرْبَ) دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَحْصُلُ مِنْهُ مُسَاعَدَةُ الْمُقَاتِلَةِ، وَفِي حَبْسِهِمْ كَسْرُ قُلُوبِ الْبُغَاةِ. (وَإِذَا انْقَضَتْ) الْحَرْبُ (فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ)؛ أَيْ: الْبُغَاةِ (مَالُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ) مِنْ أَهْلِ عَدْلٍ أَوْ بَغْيٍ (أَخَذَهُ) مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ كَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ اغْتِنَامُهَا؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِمْ عَلَيْهَا: وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: يَوْمَ الْجَمَلِ: مَنْ عَرَفَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ مَعَ أَحَدٍ فَلْيَأْخُذْهُ، فَعَرَفَ بَعْضُهُمْ قِدْرًا مَعَ أَصْحَابِ عَلِيٍّ- وَهُوَ يَطْبُخُ فِيهَا- فَسَأَلَهُ إمْهَالَهُ حَتَّى يَنْضَجَ الطَّبِيخُ، فَأَبَى وَكَبَّهُ وَأَخَذَهَا. (وَلَا يَضْمَنُ بُغَاةٌ مَا أَتْلَفُوهُ) عَلَى أَهْلِ عَدْلٍ (حَالَ حَرْبٍ ك) مَا لَا يَضْمَنُ (أَهْلُ عَدْلٍ) مَا أَتْلَفُوهُ لِبُغَاةٍ حَالَ حَرْبٍ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُضَمِّنْ الْبُغَاةَ مَا أَتْلَفُوهُ حَالَ الْحَرْبِ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ. قَالَ: الزُّهْرِيُّ هَاجَتْ: الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُقَادُ أَحَدٌ، وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا مَا وُجِدَ بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ مُحْتَجًّا بِهِ. (وَيَضْمَنَانِ)؛ أَيْ: أَهْلُ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةُ (مَا أَتْلَفَاهُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ)؛ أَيْ: يَضْمَنُ كُلٌّ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فِي غَيْرِ حَرْبٍ؛ لِإِتْلَافِهِ مَعْصُومًا بِلَا حَقٍّ وَلَا ضَرُورَةِ دَفْعٍ (وَمَا أَخَذُوا)؛ أَيْ: الْبُغَاةُ (حَالَ امْتِنَاعِهِمْ) عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ حَالَ شَوْكَتِهِمْ؛ أَيْ: (مِنْ زَكَاةٍ وَخَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ، اُعْتُدَّ بِهِ) لِدَافِعِهِ إلَيْهِمْ؛ فَلَا يُؤْخَذُ ثَانِيًا إذَا ظَفَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمَّا ظَفَرَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَبَاهُ الْبُغَاةُ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ يَأْتِيهِمْ سَاعِي نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ فَيَدْفَعُونَ إلَيْهِ زَكَاتَهُمْ؛ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الِاحْتِسَابِ بِذَلِكَ ضَرَرًا عَظِيمًا عَلَى الرَّعَايَا. (وَيُقْبَلُ بِلَا يَمِينٍ) مِمَّنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ دَعْوَى (دَفْعِ زَكَاةٍ إلَيْهِمْ)؛ أَيْ: الْبُغَاةِ كَدَعْوَى دَفْعِهَا إلَى الْفُقَرَاءِ، وَلِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ فَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهَا كَالصَّلَوَاتِ.
(وَ) لَا تُقْبَلُ دَعْوَى دَفْعِ (خَرَاجٍ) إلَيْهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَ) لَا دَعْوَى دَفْعِ (جِزْيَةٍ) إلَيْهِمْ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عِوَضٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الدَّفْعِ. (وَهُمْ)؛ أَيْ؛ الْبُغَاةُ (فِي شَهَادَتِهِمْ وَفِي إمْضَاءِ حُكْمِ حَاكِمْهُمْ كَأَهْلِ عَدْلٍ)؛ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي لَهُ مَسَاغٌ فِي الشَّرْعِ لَا يُوجِبُ تَفْسِيقَ قَائِلِهِ، وَالذَّاهِبِ إلَيْهِ أَشْبَهَ الْخَطَأَ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي فَرْعٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَيُقْضَى بِشَهَادَتِهِمْ إذَا كَانُوا عُدُولًا، وَلَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ إلَّا مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةً صَحِيحَةٍ أَوْ إجْمَاعًا، وَيَجُوزُ قَبُولُ كِتَابِهِ وَإِمْضَائِهِ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ. قَالَ: ابْنُ عَقِيلٍ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ مَا لَمْ يَكُونُوا دُعَاةً. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (لَا إنْ كَانُوا)؛ أَيْ: الْبُغَاةُ (أَهْلَ بِدَعٍ) كَالْخَوَارِجِ؛ فَلَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةٌ، وَلَا يَنْفُذُ لِقَاضِيهِمْ حُكْمٌ لِفِسْقِهِمْ. (وَإِنْ اسْتَعَانُوا)؛ أَيْ: الْبُغَاةُ (بِأَهْلِ ذِمَّةٍ) أَهْلِ (عَهْدٍ؛ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، وَصَارُوا) كُلُّهُمْ (كَأَهْلِ حَرْبٍ) لِقِتَالِهِمْ لَنَا كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا بِهِ (لَا إنْ ادَّعَوْا)؛ أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ أَوْ الْعَهْدِ (شُبْهَةً ك) ظَنِّ (وُجُوبِ إجَابَتِهِمْ)؛ أَيْ: الْبُغَاةِ؛ لِكَوْنِهِمْ مُسْلِمِينَ؛ وَقَالُوا: لَا نَعْلَمُ الْبُغَاةُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، أَوْ ظَنَنَّا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا الْقِتَالُ مَعَهُمْ، وَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ سَبَبُ النَّقْضِ. (وَيَضْمَنُونَ)؛ أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدُ (مَا أَتْلَفُوهُ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ (مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ) كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا بِإِتْلَافِهِ، بِخِلَافِ الْبُغَاةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالتَّضْمِينُ يُنَافِيه؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَعَدَاوَتُهُمْ قَائِمَةٌ مَا دَامُوا كَذَلِكَ؛ فَلَا ضَرَرَ فِي تَضْمِينِهِمْ. (وَإِنْ اسْتَعَانُوا)؛ أَيْ: الْبُغَاةُ (بِأَهْلِ حَرْبٍ وَأَمَّنُوهُمْ ف) أَمَانُهُمْ (كَعَدَمِهِ)؛ لِأَنَّهُمْ عَقَدُوهُ عَلَى قِتَالِنَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ؛ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِعِصْمَتِهِمْ، فَيُبَاحُ قَتْلُهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ، وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ، وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ (إلَّا أَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى بُغَاةٍ)؛ لِأَنَّهُمْ أَمَنُّوهُمْ، فَلَا يَغْدِرُونَهُمْ.

.فَصْلٌ: [مَنْ أَظْهَرَ رَأْيَ الْخَوَارِجِ]:

(وَإِنْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ) كَتَكْفِيرِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ مِثْلِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، وَاسْتِحْلَالِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ (وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ)؛ أَيْ: لَمْ يَجْتَمِعُوا لِلْحَرْبِ (لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمْ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَخْطُبُ، فَقَالَ رَجُلٌ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ: لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ، تَعْرِيضًا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ فِيمَا كَانَ مِنْ تَحْكِيمِهِ، فَقَالَ: عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، ثُمَّ قَالَ: لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ. (وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ عَلَيْهِمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ) فِي ضَمَانِ نَفْسٍ وَمَالٍ وَوُجُوبِ حَدٍّ؛ لِلُزُومِ الْإِمَامِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ فِي قَبْضَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِلَا اعْتِبَارٍ لِاعْتِقَادِهِمْ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا)؛ أَيْ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ (إنْ لَمْ يَمْتَنِعُوا مِنْ الْتِزَامِهِمْ) الْقِيَامَ بِأَوَامِرِ (الشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ) الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَنَحْوِهَا، وَإِلَّا بِأَنْ امْتَنَعُوا مِنْ إقَامَةِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ (وَجَبَ) عَلَى الْإِمَامِ (جِهَادُهُمْ) حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ كَالْمُحَارِبِينَ وَأَوْلَى (قَالَ: الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ) وَعَلَى رَعِيَّتِهِ (مَعُونَتُهُ عَلَى حَرْبِهِمْ، كَمَا قَاتَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَانِعِي الزَّكَاةِ بِمَحْضَرٍ) مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ صَرَّحُوا بـِ) سَبِّ إمَامٍ أَوْ (سَبِّ عَدْلٍ، أَوْ عَرَّضُوا بِهِ)؛ أَيْ: السَّبِّ (عُزِّرُوا) لِارْتِكَابِهِمْ مُحَرَّمًا لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ (وَمَنْ كَفَّرَ أَهْلَ الْحَقِّ وَالصَّحَابَةَ وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ) وَأَمْوَالَهُمْ (بِتَأْوِيلٍ ف) هُمْ (خَوَارِجُ بُغَاةٌ فَسَقَةٌ) بِاعْتِقَادِهِمْ الْفَاسِدِ قَالَ: فِي الْمُبْدِعِ تَتَعَيَّنُ اسْتِتَابَتُهُمْ، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا قُتِلُوا عَلَى إفْسَادِهِمْ لَا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ نُصُوصُهُ عَلَى عَدَمِ كُفْرِ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا كَفَّرَ الْجَهْمِيَّةَ لَا أَعْيَانَهُمْ، قَالَ: وَطَائِفَةٌ تَحْكِي عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ مُطْلَقًا حَتَّى الْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ الْمُفَضِّلَةِ لِعَلِيٍّ (وَعَنْهُ)؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ إنَّ الَّذِينَ كَفَّرُوا أَهْلَ الْحَقِّ وَالصَّحَابَةَ، وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ بِتَأْوِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ (كُفَّارٌ) قَالَ: (الْمُنَقِّحُ: وَهُوَ أَظْهَرُ) انْتَهَى.
قَالَ: فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاَلَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ، وَنَقَلَ مُحَمَّدٌ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ: مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْإِسْلَامِ الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ وَالرَّافِضَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ فَقَالَ: لَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ، وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ مَنْ قَالَ: عِلْمُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ كَفَرَ، (وَ). قَالَ: (فِي الْمُغْنِي يُخَرَّجُ مِثْلُهُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ اُسْتُحِلَّ بِتَأْوِيلٍ) كَالْخَوَارِجِ، وَمَنْ كَفَّرَهُمْ فَحُكْمُهُمْ عِنْدَهُ كَمُرْتَدِّينَ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِرْشَادِ وَعَنْ أَصْحَابِنَا تَكْفِيرُ مَنْ خَالَفَ فِي أَصْلٍ كَخَوَارِجَ وَرَوَافِضَ وَمُرْجِئَةٍ، (وَ) قَالَ: (فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا مُسْتَحِلًّا كَفَرَ، وَإِلَّا) يَكُنْ مُسْتَحِلًّا (فَسَقَ، وَالْمُرَادُ وَلَا تَأْوِيلَ، وَلِذَا لَمْ يَحْكُمْ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِكُفْرِ ابْنِ مُلْجِمٍ، قَاتِلِ عَلِيٍّ) فَإِنَّهُ قَالَ: حِينَ جَرَحَهُ أَطْعِمُوهُ وَاسْقُوهُ وَاحْبِسُوهُ، فَإِنْ عِشْتُ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي، وَإِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تُمَثِّلُوا بِهِ (وَلَا يُحْكَمُ بِكُفْرِ مَادِحِهِ)؛ أَيْ: مَادِحِ ابْنِ مُلْجِمٍ (عَلَى قَتْلِهِ لِعَلِيٍّ) (وَإِنْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ) طَلَبِ (رِيَاسَةٍ فَهُمَا ظَالِمَتَانِ تَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَتْلَفَتْ عَلَى الْأُخْرَى)؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ نَفْسًا مَعْصُومَةً وَمَالًا مَعْصُومًا. قَالَ: فِي الِاخْتِيَارَاتِ فَأَوْجَبُوا الضَّمَانَ عَلَى مَجْمُوعِ الطَّائِفَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ الْمُتْلَفِ، وَإِنْ تَقَابَلَا (تَقَاصَّا)؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ وَالْمُعِينَ سَوَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَضَمِنَتَا)؛ أَيْ: الطَّائِفَتَانِ (سَوَاءٌ) أَيْ بِالسَّوِيَّةِ؛ (مَا) أَيْ: مَالًا (جُهِلَ مُتْلِفُهُ) قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ مَا نَهَبَهُ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ الْأُخْرَى تَسَاوَيَا يَعْنِي فِي ضَمَانِهِ. قَالَ: كَمَا لَوْ جُهِلَ قَدْرُ الْحَرَامِ الْمُخْتَلِطِ بِمَالِهِ، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ نِصْفَهُ، وَالْبَاقِي لَهُ انْتَهَى (كَمَا لَوْ قُتِلَ دَاخِلٌ بَيْنَهُمَا لِصُلْحٍ؛ وَجُهِلَ قَاتِلُهُ) مِنْ كَوْنِهِ مِنْ أَيِّ الطَّائِفَتَيْنِ (وَإِنْ عُلِمَ قَاتِلُهُ مِنْ طَائِفَةٍ) بِعَيْنِهَا (وَجُهِلَ) عَيْنُهُ (ضَمِنَتْهُ وَحْدَهَا) قَالَ: ابْنُ عَقِيلٍ: وَيُفَارِقُ الْمَقْتُولَ فِي زِحَامِ الْجَامِعِ وَالطَّوَافِ لِأَنَّ الزِّحَامَ وَالطَّوَافَ لَيْسَ فِيهِمَا تَعَدٍّ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.

.بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ:

(وَهُوَ) لُغَةً الرَّاجِعُ، يُقَالُ ارْتَدَّ فَهُوَ مُرْتَدٌّ إذَا رَجَعَ قَالَ: تَعَالَى: {وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} وَشَرْعًا (مَنْ كَفَرَ) نُطْقًا أَوْ اعْتِقَادًا أَوْ شَكًّا (وَلَوْ) كَانَ (مُمَيِّزًا) فَتَصِحُّ رِدَّتُهُ كَإِسْلَامِهِ، وَيَأْتِي (طَوْعًا) وَلَوْ كَانَ هَازِلًا بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَلَوْ كَانَ إسْلَامُهُ (كُرْهًا بِحَقٍّ) كَمَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كَعَابِدِ وَثَنٍ إذَا قُوتِلَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ (وَكَحَرْبِيٍّ) مِنْ أُمِّ وَلَدٍ لِمُسْلِمٍ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْحَرْبِيُّونَ، ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَتَتْ مِنْهُمْ بِهِ (وَذِمِّيٍّ) انْتَقَضَ عَهْدُهُ (وَأُكْرِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ) بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ، فَامْتَنَعَا مِنْهُ (وَأُرِيدَ قَتْلُهُمَا) فَإِذَا أَسْلَمَا، ثُمَّ ارْتَدَّا كَانَا كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُرْتَدِّينَ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهُ الْمُسْلِمِينَ بِحَقٍّ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يَتُبْ، وَسَنَدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ. قَالَ: ( «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»). رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَخَالِدِ بْنَ الْوَلِيدِ وَغَيْرِهِمْ، وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ ( «أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ مَرْوَانَ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَبَلَغَ أَمْرُهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ أَنْ تُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ») وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ حِينَ رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً وَكَانَتْ كَافِرَةً أَصْلِيَّةً، وَيُخَالِفُ الْكُفْرَ الْأَصْلِيَّ الطَّارِئُ؛ إذْ الْمَرْأَةُ لَا تُجْبَرُ عَلَى تَرْكِ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ بِضَرْبٍ وَلَا حَبْسٍ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ. (فَمَنْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، أَوْ صَدَّقَهُ)؛ أَيْ: مَنْ صَدَّقَ مَنْ ادَّعَاهَا؛ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وَلِحَدِيثِ: «لَا نَبِيَّ بَعْدِي». وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ» (أَوْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى) كَفَرَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (أَوْ سَبَّهُ)؛ أَيْ: اللَّهَ تَعَالَى: (أَوْ) سَبَّ (رَسُولًا لَهُ أَوْ مَلَكًا لَهُ) كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُبُّهُ إلَّا وَهُوَ جَاحِدٌ لَهُ (أَوْ جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ)؛ أَيْ: اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ) جَحَدَ (وَحْدَانِيَّتَهُ أَوْ) جَحَدَ (صِفَةً) مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ اللَّازِمَةِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ؛ أَيْ: فَإِنَّهُ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ كَجَاحِدِ الْوَحْدَانِيَّةِ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ كُفْرِ جَاحِدٍ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مُتَّفَقٌ عَلَى إثْبَاتِهَا (كَقَدِيرٍ وَبَصِيرٍ) وَنَحْوِهِمَا كَسَمِيعٍ؛ إذْ هَذِهِ صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ مُؤَثِّرَةٌ بِالْمَقْدُورَاتِ الْمُمْكِنَةِ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهَا، وَمُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُبْصِرَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ بِاتِّفَاقِ؛ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَ(لَا) يَكْفُرُ بِجَحْدِهِ (الْقُدْرَةَ وَالْبَصَرَ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهِمَا إذْ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَقُولُ عَنْ الْقُدْرَةِ إنَّهَا الْعِلْمُ بِالْمَقْدُورَاتِ، وَعَنْ الْبَصَرِ إنَّهُ الْعِلْمُ بِالْمُبْصَرَاتِ وَهَكَذَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ مَذْهَبُ سَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقُدْرَةِ وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ صِفَةٌ مُغَايِرَةٌ لِلْعِلْمِ زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ؛ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَالْآيَاتِ. قَالَ: فِي الْمَوَاقِفِ بَعْدَ تَقْرِيرِ الْمَسْأَلَةِ: وَظَوَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَة وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ انْتَهَى.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ قُدْرَةً وَبَصَرًا قَدِيمِينَ زَائِدَيْنِ عَلَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ الْقُدْرَةِ قِدَمُ الْمَقْدُورَاتِ، وَلَا مِنْ (قِدَمِ) الْبَصَرِ قِدَمُ الْمُبْصَرَاتِ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ السَّمْعِ وَالْعِلْمِ قِدَمُ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمَعْلُومَاتِ لِأَنَّهَا صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ تَحْدُثُ لَهَا تَعَلُّقَاتٌ بِالْحَوَادِثِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. أَوْ جَحَدَ (كِتَابًا أَوْ رَسُولًا) مُجْمَعًا عَلَيْهِ، أَوْ ثَبَتَ تَوَاتُرًا لَا أَحَادًا كَخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ (أَوْ جَحَدَ مَلَكًا لَهُ)؛ أَيْ: لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِمْ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ جَحْدَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَجَحْدِ الْكُلِّ، أَوْ جَحَدَ الْبَعْثَ (أَوْ وُجُوبَ عِبَادَةٍ مِنْ) الْعِبَادَاتِ (الْخَمْسِ) الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي حَدِيثِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ». (وَمِنْهَا)؛ أَيْ: مِثْلُهَا (الطَّهَارَةُ) فَيُكَفَّرُ مَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا (حُكْمًا ظَاهِرًا) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ فَرْضِ السُّدُسِ لِبِنْتِ الِابْنِ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ (مُجْمَعًا عَلَيْهِ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا) لَا سُكُوتِيًّا؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةً (بِلَا تَأْوِيلٍ) أَمَّا إذَا كَانَ بِتَأْوِيلٍ كَاسْتِحْلَالِ الْخَوَارِجِ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُونَهُمْ لِادِّعَائِهِمْ أَنَّهُمْ يَتَقَرَّبُونَ بِذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ: عُمْرَانِ بْن حِطَّانَ يَمْدَحُ ابْنَ مُلْجِمٍ لِقَتْلِهِ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا إلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانًا إنِّي لَأَذْكُرُهُ يَوْمًا فَأَحْسِبُهُ أَوْفَى الْبَرِيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانًا وَمَا أَحْسَنَ مَا رَدَّ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمَّادٍ السَّاهِرِيُّ، عَلَى ابْنِ حِطَّانَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ مِنْهَا قَوْلُهُ: قُلْ لِابْنِ مُلْجَمٍ وَالْأَقْدَارُ غَالِبَةٌ هَدَمْتَ وَيْلَكَ لِلْإِسْلَامِ أَرْكَانًا إلَى أَنْ قَالَ: إنِّي لَأَحْسَبُهُ مَا كَانَ مِنْ بَشَرٍ يَخْشَى الْمَعَادَ وَلَكِنْ كَانَ شَيْطَانًا أَشْقَى مُرَادٍ إذَا عَنَّتْ قَبَائِلُهَا وَأَخْسَرُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانًا كَعَاقِرِ النَّاقَةِ الْأُولَى الَّتِي جَلَبَتْ عَلَى ثَمُودَ بِأَرْضِ الْحِجْرِ خُسْرَانًا قَدْ كَانَ يُخْبِرُهُمْ أَنْ سَوْفَ يَخْضِبُهَا قَبْلَ الْمُنْيَةِ أَزْمَانًا وَأَزْمَانًا فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ مَا تَحَمَّلَهُ وَلَا سَقَى قَبْرَ عُمْرَانِ بْنِ حَطَّانَا لِقَوْلِهِ فِي شَقِيٍّ ظَلَّ مُحْتَرَمًا وَنَالَ مَا نَالَهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا يَا ضَرْبَةً مِنْ غَوِيٍّ أَوْرَثَتْهُ لَظًى فَسَوْفَ يَلْقَى بِهَا الرَّحْمَنَ غَضْبَانَا فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَصْدًا بِضَرْبَتِهِ إلَّا لِيَصْلَى عَذَابَ الْخُلْدِ نِيرَانًا (بِخِلَافِ مَنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ، بِلَا تَأْوِيلٍ ك). جَحْدِ (تَحْرِيمِ زِنًا أَوْ) جَحْدِ تَحْرِيمِ (لَحْمِ) مَيْتَةٍ مُجْمَعٍ عَلَى تَحْرِيمِهَا كَفَرَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِتَحْرِيمِهَا لَا يَكَادُ يَخْفَى (لَا) إنْ جَحَدَ تَحْرِيمَ (شَحْمِ الْخِنْزِيرِ) وَكُلْيَتِهِ وَكَبِدِهِ وَطِحَالِهِ؛ لِلِاخْتِلَافِ بِحِلِّ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ، بِخِلَافِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ؛ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، أَوْ جَحَدَ تَحْرِيمَ (حَشِيشَةٍ) كَفَرَ بِلَا نِزَاعٍ. (أَوْ) جَحَدَ (حِلَّ خُبْزٍ وَنَحْوِهِ) كَلَحْمِ مُذَكَّاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالدَّجَاجِ (أَوْ شَكَّ فِيهِ) أَيْ فِي تَحْرِيمِ زِنًا وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ فِي حِلِّ خُبْزٍ وَنَحْوِهِ (وَمِثْلُهُ لَا يَجْهَلُهُ) لِكَوْنِهِ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ (أَوْ) كَانَ (يَجْهَلُهُ) مِثْلُهُ (وَعَرَفَ) حُكْمَهُ؛ (وَأَصَرَّ عَلَى الْجَحْدِ وَالشَّكِّ)؛ كَفَرَ؛ لِمُعَانِدَتِهِ الْإِسْلَامَ؛ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ قَبُولِ الْأَحْكَامِ غَيْرَ قَابِلٍ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. (أَوْ سَجَدَ لِصَنَمٍ أَوْ كَوْكَبٍ) كَشَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ؛ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. (وَيَتَّجِهُ السُّجُودُ لِلْحُكَّامِ وَالْمَوْتَى بِقَصْدِ الْعِبَادَةِ كَفْرٌ) قَوْلًا وَاحِدًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ (وَالتَّحِيَّةُ) لِمَخْلُوقٍ بِالسُّجُودِ لَهُ (كَبِيرَةٌ) مِنْ الْكَبَائِرِ الْعِظَامِ، وَالسُّجُودُ لِمَخْلُوقٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ (مَعَ الْإِطْلَاقِ) الْعَارِي عَنْ كَوْنِهِ لِخَالِقٍ أَوْ مِخْلَاقٍ (أَكْبَرُ إثْمًا وَأَعْظَمُ جُرْمًا إذْ السُّجُودُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ). (أَوْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَسَائِطَ يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِمْ وَيَدْعُوهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ) كَفَرَ (إجْمَاعًا قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: أَوْ كَانَ مُبْغِضًا لِرَسُولِهِ أَوْ لِمَا جَاءَ بِهِ كَفَرَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَفِعْلِ عَابِدِي الْأَصْنَامِ قَائِلِينَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيَقْرَبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى (أَوْ أَتَى بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ صَرِيحٍ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ) الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ اسْتَهْزَأَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ أَبِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ} قَالَ: فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي الْهَازِئِ بِذَلِكَ؛ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يُؤَدَّبَ أَدَبًا يَزْجُرُهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُكْتَفَ مِمَّنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْبَةِ؛ فَهَذَا أَوْلَى (أَوْ امْتَهَنَ الْقُرْآنَ الَّذِي صَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ ادَّعَى اخْتِلَافَهُ أَوْ اخْتِلَاقَهُ، أَوْ ادَّعَى الْقُدْرَةَ عَلَى مِثْلِهِ، أَوْ أَسْقَطَ حُرْمَتَهُ، كَفَرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} وَقَوْلِهِ: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْته خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وَ(لَا) يُكَفَّرُ (مَنْ حَكَى كُفْرًا سَمِعَهُ وَلَا يَعْتَقِدُهُ) قَالَ: فِي الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ هَذَا إجْمَاعٌ. وَفِي الِانْتِصَارِ مَنْ تَزَيَّا بِزِيِّ كُفْرٍ مِنْ لُبْسِ غِيَارٍ وَشَدِّ زُنَّارٍ وَتَعْلِيقِ صَلِيبٍ بِصَدْرِهِ؛ حَرُمَ، وَلَمْ يُكَفَّرْ (أَوْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ كُفْرٍ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهَا) فَلَا يُكَفَّرُ بِذَلِكَ، وَلَا مَنْ جَرَى الْكُفْرُ عَلَى لِسَانِهِ سَبْقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ؛ لِشِدَّةِ فَرَحٍ أَوْ دَهْشٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَقَوْلِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتِ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك فَقَالَ: غَلَطًا أَنْتِ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك لِحَدِيثِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ». (وَإِنْ تَرَكَ مُكَلَّفٌ عِبَادَةً مِنْ الْخَمْسِ تَهَاوُنًا) مَعَ إقْرَارِهِ بِوُجُوبِهَا (لَمْ يُكَفَّرْ) سَوَاءٌ عَزَمَ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهَا أَبَدًا أَوْ عَلَى تَأْخِيرِهَا إلَى زَمَنٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ دُخُولَ النَّارِ. قَالَ: مُعَاذٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَخْبَرَ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: إذَنْ يَتَّكِلُوا، فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَنْ أَتَى بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. وَلَوْ كَفَرَ بِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي مَشِيئَةِ الْغُفْرَانِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُغْفَرُ (إلَّا بِالصَّلَاةِ أَوْ بِشَرْطٍ لَهَا أَوْ رُكْنٍ لَهَا مُجْمَعٍ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ لَهَا (إذَا دَعَاهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ) إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي تَرَكَهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ شَرْطِهَا أَوْ رُكْنِهَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ (وَامْتَنَعَ) مِنْ فِعْلِهِ حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَ الصَّلَاةِ الَّتِي دُعِيَ لَهَا؛ فَيُكَفَّرُ (عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ) مُفَصَّلًا، وَيُسْتَتَابُ كَمُرْتَدٍّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا، فَإِنْ تَابَ بِفِعْلِهَا خُلِّيَ سَبِيلُهُ، وَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ كُفْرًا بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ وَدِعَايَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، أَوْ يُقْتَلُ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا وَرُكْنِهَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ حَدًّا، لِمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ. (وَمَنْ اعْتَقَدَ قِدَمَ الْعَالَمِ، أَوْ اعْتَقَدَ حُدُوثَ الصَّانِعِ، أَوْ سَخِرَ بِوَعْدِ اللَّهِ أَوْ وَعِيدِهِ) فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِهْزَاءِ بِاَللَّهِ وَالْعِيَاذِ بِاَللَّهِ (أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ)؛ أَيْ: تَدَيَّنَ (بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ) كَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ (أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ) أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُ؛ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} الْآيَةَ. (أَوْ قَالَ: قَوْلًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ)؛ أَيْ: أُمَّةِ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ (أَوْ كَفَّرَ الصَّحَابَةَ) بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ (فَهُوَ كَافِرٌ)؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلرَّسُولِ فِي قَوْلِهِ: ( «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ») وَغَيْرِهِ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْخَوَارِجِ وَنَحْوِهِمْ. (قَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ) وَكَذَا مَنْ اعْتَقَدَ أَنْ الْكَنَائِسَ بُيُوتُ اللَّهِ، أَوْ أَنَّهُ يُعْبَدُ (فِيهَا،) أَوْ أَنْ مَا يَفْعَلُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عِبَادَةٌ لِلَّهِ وَطَاعَةٌ لَهُ وَلِرَسُولِهِ، أَوْ أَنَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ، أَوْ (يَرْضَاهُ) فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ اعْتِقَادُهُ صِحَّةَ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ كُفْرٌ (أَوْ أَعَانَهُمْ عَلَى فَتْحِهَا)؛ أَيْ: الْكَنَائِسِ (وَإِقَامَةِ دِينِهِمْ؛ وَ) اعْتَقَدَ (أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ أَوْ طَاعَةٌ) فَهُوَ كَافِرٌ لِتَضَمُّنِهِ اعْتِقَادَ صِحَّةِ دِينِهِمْ. وَقَالَ: الشَّيْخُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنْ زِيَارَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَنَائِسَهُمْ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ؛ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَإِنْ جَهِلَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عُرِّفَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَصَرَّ صَارَ مُرْتَدًّا؛ لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيبَ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} وَقَالَ: قَوْلُ الْقَائِلِ مَا ثَمَّ إلَّا اللَّهُ، إنْ أَرَادَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْإِلْحَادِ مِنْ أَنَّ مَا ثَمَّ مَوْجُودٌ إلَّا اللَّهُ، وَيَقُولُونَ إنَّ وُجُودَ الْخَالِقِ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ، وَالْخَالِقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ، وَالْمَخْلُوقُ هُوَ الْخَالِقُ، وَالْعَبْدُ هُوَ الرَّبُّ، وَالرَّبُّ هُوَ الْعَبْدُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهَا، فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا الْقَتْلُ. وَقَالَ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (أَوْ) اعْتَقَدَ (أَنْ لِأَحَدٍ طَرِيقًا إلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِ مُتَابَعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ) أَوْ أَنَّ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ خُرُوجًا عَنْ اتِّبَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَخْذِ مَا بُعِثَ بِهِ (أَوْ قَالَ: أَنَا مُحْتَاجٌ إلَى مُحَمَّدٍ فِي عِلْمِ الظَّاهِرِ دُونَ عِلْمِ الْبَاطِنِ، أَوْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، أَوْ قَالَ: إنَّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ يَسَعُهُ الْخُرُوجُ عَنْ شَرِيعَتِهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَمَا وَسِعَ الْخَضِرُ الْخُرُوجَ عَنْ شَرِيعَةِ مُوسَى) عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيبَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} أَوْ اعْتَقَدَ أَنْ غَيْرَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ مِنْ هَدْيِهِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَخِفَّ بِالتَّوْرَاةِ (أَوْ) يَلْعَنَهَا، بَلْ مَنْ (لَعَنَ التَّوْرَاةَ) فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، وَحِينَئِذٍ فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْرَفُ أَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا؛ فَهَذَا يُقْتَلُ بِشَتْمِهِ لَهَا، وَ(لَا) يُكَفَّرُ بِشَتْمِهِ (مَا بِأَيْدِيهِمْ)؛ أَيْ: الْيَهُودِ (الْآنَ مِنْهَا) بِمَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَصْدَهُ ذِكْرُ تَحْرِيفِهَا مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: نُسَخُ هَذِهِ التَّوْرَاةِ مُبَدَّلَةٌ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهَا، وَمَنْ عَمِلَ الْيَوْمَ بِشَرَائِعِهَا الْمُبَدَّلَةِ وَالْمَنْسُوخَةِ؛ فَهُوَ كَافِرٌ، أَوْ لَعَنَ دِينَ الْيَهُودِ الَّذِينَ هُمْ عَلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ فَهَذَا الْكَلَامُ وَنَحْوُهُ لَا بَأْسَ عَلَى قَائِلِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (أَوْ زَعَمَ أَنْ اللَّهَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ مُخْتَلِطًا بِالْمَخْلُوقَاتِ) يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ (أَوْ قَالَ: إنَّ) قَوْله تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّك أَنْ لَا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ} بِمَعْنَى قَدَّرَ فَإِنَّ اللَّهَ مَا قَدَّرَ شَيْئًا إلَّا وَقَعَ وَجَعَلَ (عُبَّادَ الْأَصْنَامِ مَا عَبَدُوا [إلَّا] اللَّهَ) فَإِنَّ هَذَا الْمُعْتَقَدَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كُفْرًا بِالْكُتُبِ كُلِّهَا، لِتَكْذِيبِهِ لَهَا فِيمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ ثُبُوتِ وَحْدَانِيِّتِهِ تَعَالَى، بَلْ مَعْنَى قَضَى هُنَا أَوْجَبَ، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَذِهِ الْفِرَقِ وَأَفْسَدَ كَثِيرًا مِنْ عَقَائِدِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ. (أَوْ ادَّعَى أُلُوهِيَّةَ عَلَيَّ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَالنُّصَيْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِحُلُولِ الْإِلَهِ فِيهِ وَبِالتَّنَاسُخِ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَأَنَّ جَنَّةَ الْإِنْسَانِ الْمَعِيشَةُ الْهَنِيَّةُ وَنَارَهُ هِيَ الْمَعِيشَةُ الرَّزِيَّةُ، وَأَنَّ لَيَالِيَ رَمَضَانَ أَسْمَاءُ ثَلَاثِينَ امْرَأَةً، هُنَّ فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ وَفُلَانَةُ وَأَيَّامُهُ أَسْمَاءُ لِثَلَاثِينَ رَجُلًا هُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَأَنَّ الْخَمْرَ مُبَاحٌ شُرْبُهَا، وَيَلْعَنُونَ مَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْهَذَيَانَاتِ الَّتِي هِيَ صَرِيحَةٌ بِكُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ (أَوْ ادَّعَى نُبُوَّتَهُ)؛ أَيْ: عَلَيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَوْ) ادَّعَى (أَنْ جِبْرِيلَ) عَلَيْهِ السَّلَامُ (غَلَطَ) كَغُلَاةِ الرَّوَافِضِ؛ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، بَلْ لَا شَكَّ فِي كُفْرِ مَنْ تَوَقَّفَ فِي تَكْفِيرِهِ. (أَوْ)؛ أَيِّ: وَكَذَلِكَ مَنْ زَعَمَ (أَنْ الْقُرْآنَ نَقَصَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ كُتِمَ مِنْهُ شَيْءٌ وَأَنَّ لَهُ تَأْوِيلَاتٌ بَاطِنَةٌ تُسْقِطُ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ) مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَزَكَاةٍ وَغَيْرِهَا (كَالْقَرَامِطَةِ وَهِيَ الْبَاطِنِيَّةُ) الْقَائِلُونَ إنَّ اللَّهَ احْتَجَبَ بِالْحُكْمِ بِأَمْرِ اللَّهِ، كَمَا احْتَجَبَ بِالشَّجَرَةِ حِينَ كَلَّمَ مُوسَى، وَهُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يَنْطِقَ الْبَارِّي عَلَى لِسَانِهِ، وَيُظْهِرُ لِلْعَالَمِينَ قُدْرَتَهُ، وَيَحْتَجِبُ عَنْهُمْ فِيهِ فَلَمَّا حَلَّ فِيهِ صَارَ هُوَ هُوَ، وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآنَ وَأَنَّ الْقُرْآنَ لَهُ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ، مَنْ قَالَ: بِظَاهِرِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَالصَّلَاةُ هِيَ الْعَهْدُ الْمَأْلُوفُ، وَسُمِّيَتْ صَلَاةً؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ بَيْنَ الْمُسْتَجِيبِينَ وَبَيْنَ الْحَاكِمِ، فَالصَّلَاةُ الْحَقِيقِيَّةُ صِلَةُ الْقُلُوبِ بِتَوْحِيدِ الْحَاكِمِ، فَمَنْ تَرَكَ تَوْحِيدَهُ فَقَدْ كَفَرَ وَالزَّكَاةُ هِيَ وِلَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَقَدْ أَسْقَطَهَا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ تَوْحِيدُهُ. وَقَالُوا: الصَّوْمُ هُوَ الصَّمْتُ، وَالْحَجُّ تَوْحِيدُهُ، وَالْجِهَادُ هُوَ فِي الْحَشْوِيَّةِ النَّوَاصِبُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ بَذْلُ الْجَهْدِ فِي تَوْحِيدِ الْحَاكِمِ وَالنَّاطِقُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْأَسَاسُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ نَسَخَ الْحَاكِمُ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ بِالْكَمَالِ، وَالْعَرْشُ هُوَ عِلْمُ التَّوْحِيدِ، وَالْعَذَابُ الْأَلِيمُ تَجْدِيدُ الظَّاهِرِ فِي الْقُلُوبِ، وَقَالُوا: إنَّ الْبَارِيَ أَظْهَرَ مِنْ نُورِهِ صُورَةً كَامِلَةً، سَمَّاهَا الْعَقْلَ وَهُوَ عِلَّةُ الْعِلَلِ، وَهُوَ السَّابِقُ الْحَقِيقِيُّ؛ لِأَنَّهُ هُيُولِيٌّ كُلِّ شَيْءٍ وَبِهِ تَكْوِينُهُ، فَسَأَلَ الْعَقْلُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ مُعِينًا عَلَى الضِّدِّ الْمُخَالِفِ- وَهُوَ إبْلِيسُ- فَأَبْدَعَ لَهُ الشَّوْقَ وَهُوَ التَّالِي، وَجَعَلَهُ سَامِعًا لِلسَّابِقِ مُطِيعًا لِأَمْرِهِ، وَقَالُوا إنَّ: الْحَاكِمَ مُعْلٍ عِلَّةَ الْعِلَلِ، يَظْهَرُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فِي صُورَةٍ بَشَرِيَّةٍ وَصِفَةٍ مَرْئِيَّةٍ كَيْف شَاءَ حَيْثُ يَشَاءُ، وَهُوَ مُبْدِعُ الْإِبْدَاعِ، وَخَالِقُ الْأَنْوَاعِ، مُنَزَّهٌ عَنْ الصِّفَاتِ وَالْمُبْدَعَاتِ، لَا تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى وَصْفِهِ اللُّغَاتُ، بَلْ هُوَ مَعْبُودُ جَمِيعِ الْأَنَامِ، وَهُوَ الصُّورَةُ الْمَرْئِيَّةُ الظَّاهِرَةُ لِخَلْقِهِ بِالْبَشَرِيَّةِ، الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَالِمِ الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَى جَمِيعِ النُّطَقَاءِ، وَيَسْتَعْبِدُهُمْ تَحْتَ حُكْمِهِ وَسُلْطَانِهِ، ثُمَّ نَسَخَ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ؛ لِأَنَّهَا مُنْكَرَاتٌ قَالَ: لِمُحَمَّدٍ: وَإِنَّهُ عَنْ الْمُنْكَرِ يَعْنِي الشَّرِيعَةَ، وَأَرْسَلَ حَمْزَةَ، وَسَمَّاهُ هَادِيَ الْمُسْتَجِيبِينَ، يَهْدِي الْعَالَمَ إلَى دِينِ الْحَقِّ، وَهُوَ دِينُ الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَفْظُ الْجَلَالَةِ كَيْف مَا وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ هِيَ لَاهُوتُ الْحَاكِمِ وَلَفْظُ الرَّسُولِ هُوَ حَمْزَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ ذُو معة؛ لِأَنَّهُ وِعَاءُ تَوْحِيدِ الْحَاكِمِ، وَإِنَّ الْحَاكِمَ يَظْهَرُ فِي سَبْعِينَ عَصْرًا، وَظُهُورُهُ فِي النَّاسُوتِ الْبَشَرِيِّ دَلِيلٌ عَلَى تَغْيِيرِ الشَّرِيعَةِ، وَإِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ، وَإِظْهَارُهُ الشَّرِيعَةَ الشَّرِيفَةَ الرُّوحَانِيَّةَ عَلَى يَدِ عَبْدِهِ حَمْزَةَ، وَقَالُوا: النَّارُ عِلْمُ الْحَقِيقَةِ، وَالْجَنَّةُ الدَّعْوَةُ التَّوْحِيدِيَّةُ، وَالنُّطَقَاءُ هُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَلِكُلِّ نَاطِقٍ أَسَاسٌ، وَخَاتَمُ النُّطَقَاءُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ خَتَمَ الشَّرَائِعَ، وَتَمَّمَهَا، وَنَسَخَ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ، فَلَا يَكُونُ بَعْدَهُ شَرِيعَةٌ تَكْلِيفِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا تَدْعُوَا إلَى عِبَادَةِ الْعَدَمِ، وَكَذَلِكَ ظَهَرَ الْحَاكِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ بِالصُّورَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَسَمَّى نَفْسَهُ بِالْقَائِمِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلَ مَا ظَهَرَ لِخَلْقِهِ بِالْمُلْكِ وَالْبَشَرِيَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ حَتَّى يُعْرَفَ وَلَا يُنْكَرُ، وَيُطَاعَ وَلَا يُكْفَرَ، وَأَرْسَلَ عَبْدَهُ حَمْزَةَ، وَسَمَّاهُ هَادِيَ الْمُسْتَجِيبِينَ، الْمُنْتَقِمَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ كِتَابٍ لَهُمْ مَرْسُومٍ بِكَشْفِ الْحَقَائِقِ. وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة هُمْ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الْأَمَانَةَ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرَ الصَّادِقِ، وَمِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّ اللَّهَ لَا مَوْجُودَ وَلَا مَعْدُومَ وَلَا عَالِمَ وَلَا جَاهِلَ، وَلَا قَادِرَ وَلَا عَاجِزَ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِثْبَاتَ لِحَقِيقِيَّتِهِ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْجُودَاتِ وَهُوَ تَشْبِيهٌ، وَالنَّفْيُ الْمُطْلَقُ يَقْتَضِي مُشَارَكَتَهُ لِلْمَعْدُومَاتِ، وَهُوَ تَعْطِيلٌ، بَلْ هُوَ وَاهِبُ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَرَبُّ الْمُتَضَادَّاتِ انْتَهَى مِنْ تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ. وَكَذَا الدُّرُوزُ والتيامنة الَّذِينَ يَنْتَحِلُونَ عَقَائِدَ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ، وَجَمِيعُ الطَّوَائِفِ الْمَذْكُورُونَ زَنَادِقَةٌ مَلَاحِدَةٌ مُتَقَارِبُونَ فِي الِاعْتِقَادِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ مِثْلُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ كُفْرًا مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ فَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ بِجِزْيَةٍ وَلَا بِغَيْرِ جِزْيَةٍ وَلَا فِي حُصُونِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُمْ أَشَدُّ كُفْرًا مِنْ الْمُرْتَدِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَنَاسُخَ الْأَرْوَاحِ، وَحُلُولَ الْإِلَهِ فِي عَلِيٍّ وَالْحَاكِمِ، وَقَالَ: لَيْسَ هُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ، بَلْ بِمَنْزِلَةِ الْكُفْرِ وَالصَّابِئِينَ؛ فَيُبَاحُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ، وَسَبْيُ نِسَائِهِمْ- لَا افْتِرَاشُهَا- لِأَنَّهُمْ زَنَادِقَةٌ فُجَّارٌ، لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ، بَلْ يُقْتَلُونَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا، وَيُلْعَنُونَ كَمَا وُصِفُوا، وَلَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُمْ لِلْحِرَاسَةِ وَالْبِوَابَةِ؛ وَيَجُوزُ قَتْلُ عُلَمَائِهِمْ وَصُلَحَائِهِمْ لِئَلَّا؛ يُضِلُّوا غَيْرَهُمْ، وَيَحْرُمُ النَّوْمُ مَعَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَرُفْقَتُهُمْ وَالْمَشْيُ مَعَهُمْ وَتَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ إذَا عُلِمَ مَوْتُهَا، وَيَحْرُمُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ إضَاعَةُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ انْتَهَى.
وَقَالَ: فِي الِانْتِصَارِ: مَالُ كَافِرٍ مُصَالِحٍ مُبَاحٌ بِطِيبِ نَفْسِهِ، وَالْحَرْبِيُّ مُبَاحٌ أَخْذُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ. (أَوْ قَذَفَ عَائِشَةَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ) مِنْهُ؛ كُفْرٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ (وَفِي قَذْفِ غَيْرِهَا مِنْ نِسَائِهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَوْلَانِ؛ صَحَّحَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (أَنَّهُ كَهُوَ)؛ أَيْ كَقَذْفِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ كَسَبِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، لِعَدَمِ نَصٍّ خَاصٍّ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلَّ كَوْنِ قَذْفِ إحْدَى نِسَائِهِ الطَّاهِرَاتِ غَيْرَ عَائِشَةَ (فِي حَيَاتِهِ خَاصَّةً لِتَنْقِيصِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْغَضَاضَةِ وَالْعَارِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهَذَا مَفْقُودٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَذَا قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ وُقُوعِ ذَلِكَ، فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ كَذَا قَالَ: مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبُ الِاحْتِرَامِ حَيًّا وَمَيِّتًا، بَلْ جُرْمُ مُتَنَقَّصِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَعْظَمُ مِنْ جُرْمِ مَنْ تَنَقَّصَهُ فِي حَيَاتِهِ؛ إذْ يُمْكِنُ فِي حَيَاتِهِ الْعَفْوُ عَمَّنْ فَرَطَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْعَفْوُ مُتَعَذَّرٌ وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَذَاهُ بِقَذْفِ نِسَائِهِ الطَّاهِرَاتِ أَعْظَمُ مِنْ أَذَاهُ بِنِكَاحِهِنَّ بَعْدَهُ (أَوْ زَعَمَ أَنْ الصَّحَابَةَ ارْتَدُّوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نَفَرًا قَلِيلًا لَا يَبْلُغُونَ بِضْعَةَ عَشْرَ) نَفْسًا (أَوْ زَعَمَ أَنَّهُمْ فَسَقَوْا، كَفَرَ فِي الْكُلِّ)؛ أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِمَا نَصَّهُ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الرِّضَا عَنْهُمْ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، بَلْ مَنْ شَكَّ فِي مِثْلِ هَذَا فَكُفْرُهُ مُتَعَيَّنٌ فَإِنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنَّ نَقَلَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كُفَّارٌ أَوْ فُسَّاقٌ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ الَّتِي هِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَخَيْرُهَا هُوَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ كَانَ عَامَّتُهُمْ كُفَّارًا أَوْ فُسَّاقًا، وَمَضْمُونُهَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ شَرُّ الْأُمَمِ، وَأَنَّ سَابِقِي هَذِهِ الْأُمَّةِ هُمْ شِرَارُهَا، وَكُفْرُ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. (قَالَ: الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (فِي) كِتَابِهِ (الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ) وَقَالَ: وَلِهَذَا تَجِدُ عَامَّةَ مَنْ ظَهَرَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ؛ فَإِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ، وَعَامَّةُ الزَّنَادِقَةِ إنَّمَا يَسْتَتِرُونَ بِمَذْهَبِهِمْ؛ وَقَدْ ظَهَرَتْ لِلَّهِ فِيهِمْ مُثُلَاتٌ وَتَوَاتَرَ النَّقْلُ بِأَنَّ وُجُوهَهُمْ تُمْسَخُ خَنَازِيرَ فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ انْتَهَى.
(وَكَذَا مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ) بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَدْ كَفَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} فَإِنْكَارُ صُحْبَتِهِ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ، وَكَذَا يَكْفُرُ مُنْكِرُ صُحْبَتِهِ نَحْوَ عُمَرَ كَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ؛ لِتَكْذِيبِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَحَابِيَّتِهِ، وَلِأَنَّهُ يَعْرِفُهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ، فَنَافِي صَحَابِيَّتِهِ أَحَدِهِمْ مُكَذِّبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ سَبَّا لَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمْ وَلَا دِينِهِمْ مِثْلُ مَنْ وَصَفَ بَعْضُهُمْ بِبُخْلٍ أَوْ جُبْنٍ أَوْ قِلَّةِ عِلْمٍ أَوْ عَدَمِ زُهْدٍ وَنَحْوِهِ؛ فَهَذَا يَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ وَالتَّعْزِيرَ، وَلَا يُكَفَّرُ، وَأَمَّا مَنْ لَعَنَ وَقَبَّحَ مُطْلَقًا، فَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ أَعْنِي هَلْ يُكَفَّرُ أَوْ يُفَسَّقُ؟ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي كُفْرِهِ وَقَتْلِهِ، وَقَالَ: يُعَاقَبُ وَيُجْلَدُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ، وَفِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ يَسْتَحِقُّ عُقُوبَةً بَلِيغَةً بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. (أَوْ شُفِعَ عِنْدَهُ) فِي رَجُلٍ فَقَالَ: لَوْ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِيَشْفَعَ فِيهِ مَا قَبِلْت مِنْهُ؛ كَفَرَ وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِ قَائِلِ ذَلِكَ (إنْ قَالَهُ اسْتِخْفَافًا) بِمَقَامِهِ الرَّفِيعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتُوبَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ قَبْلَهَا فَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ قُتِلَ (لَا) إنْ تَابَ قَبْلَهَا. أَوْ قَالَ ذَلِكَ (لِلتَّأْكِيدِ) دُونَ الِاسْتِخْفَافِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُكَفَّرُ، وَلَا يُقْتَلُ كَالْمُحَارِبِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ أَفَادَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.